وراء الجدران الخرسانية: في الحبس الاحتياطي بعمّان
السرديات الشخصية لنساء في سجون التوقيف بالأردن
بقلم: مجهولة
قالت لي إحدى الزميلات بعدما قضيت ليلةً في سجن توقيف نسائي في عمّان، عاصمة الأردن: "لقد أُتيحت لكِ فرصة رؤيته من الداخل. الصحفيون والباحثون كانوا ليتمنّون هذه الفرصة".
كانت مُحقّة — إذ إن وصولي إلى هناك كان نادرًا وفي جوانب كثيرة امتيازًا خالصًا. كنتُ مدركة لهذا الامتياز منذ اللحظة التي تم توقيفي فيها. كانت إقامتي قصيرة، نتيجة خطأ إداري، وسرعان ما عدتُ إلى حياةٍ تمنحني الحماية والصوت والحرية. لكن القصص التي صادفتها خلف تلك الجدران ما تزال تلاحقني.
إثنوغرافية في الحبس الاحتياطي
في عام 2015، أصدرت منظمة «ديغنيتي» تقريرًا عن احتجاز النساء في الأردن، لكنها أشارت إلى عدم قدرتها على الوصول إلى سجن الجويدة. أدركتُ حينها السبب. تلك الليلة، ارتديتُ قبّعة الباحثة الإثنوغرافية، ليس بدافع الفضول الأكاديمي، بل كفعلٍ للبقاء.
كنتُ قد أُوقِفتُ مع امرأةٍ واجهت شرطي مرور بسبب تعليقاته غير اللائقة. في الجويدة، تم تفتيشنا، أولًا متعلّقاتنا، ثم أجسادنا. أُفرِغَ حقيبتي. حتى دفتري وكتابي صودرا. سخرت منّي شرطية قائلة: "أين تظنين نفسكِ؟" أثناء التفتيش الجسدي، وقفتُ حافيةً على أرضيةٍ مبتلّة، وأُمِرتُ أن أخلع ملابسي تحت ضوءٍ فلوريّ قاسٍ.
عند الخامسة مساءً، قُدّم العشاء: خبزٌ بايت، بيضة مسلوقة، وشاي حلو في أكوابٍ بلاستيكية. أشارت إحدى الحارسات إلى زنزانة: "اذهبي إلى غرفة العرب".
احكي لنا قصتك
في الداخل، لم أُقابَل بالريبة، بل بالتضامن.
"احكي لنا قصتكِ"، قالت إحداهن. ثلاثون امرأة محشورات في زنزانة لا تتسع إلا لثمانية أسرّة طابقية. في مترٍ مربعٍ من الأرضية، يدخنّ، يبكين، يتهامسن، وينتظرن.
قصة نسمة
تحدثت نسمة، وهي امرأة أردنية من أصول فلسطينية، ودموعها تنهمر:
"كانت حياتنا جيدة حتى تزوّج زوجي بامرأة ثانية. تقبّلتُ الأمر. ثم انهار عمله. استدان ووقّع شيكات على بياض، باسمي. هو الآن في السجن. وعندما حاولتُ زيارته، تم توقيفي. صدر بحقي حكم غيابي. القانون يقول إنه ولي أمري".
كان أكثر ما تخشاه هو مصير أولادها. القانون لم يرَ شيئًا من هذا — فقط اسمًا على ورقة.
عندك أهل برا
همست كاميليا، امرأة تونسية، بكلمات طمأنينة: "لا تخافي، عندك أهل برا".
كانت كاميليا وأربع نساء تونسيات محتجزات بعد انتهاء صلاحية تأشيراتهن.
"زوجي من غزة وما بيقدر يضمني. عندي أولاد ما شفتهم من شهور. لا أقدر أسدد الغرامات ولا أشتري تذكرة سفر. أنا عالقة". كانت ديونهن تكبر مع كل يوم يقضينه خلف القضبان.
أحيانًا البيت أسوأ
"أحيانًا البيت أسوأ من هون"، قالت غادة، امرأة أردنية لجأت للشرطة بعد أن هددتها عائلتها بالقتل لأنها أحبت «الرجل الخطأ". لكن في الأردن، لا توضع النساء المهددات في مراكز حماية، بل في زنزانات مغلقة.
امرأة أخرى وُضعت في السجن بعد أن نجت من اغتصاب جماعي. عائلتها كانت تنوي قتلها، ولم تعرض السلطات سوى جدارٍ خرساني وبابٍ موصد.
التحايل على النظام
لاحقًا في تلك الليلة، وصلت سلمى مع ابنتها المراهقة. وُجهت لهما تهمة الاحتيال.
"ابنتي حملت خارج إطار الزواج. أردتُ مساعدتها. سجّلتُ المولود باسمي. اكتشفت السلطات الأمر. الآن نواجه تهمًا كلتانا."
في الأردن، لا يمكن تسجيل طفل وُلد خارج الزواج قانونيًا. ما فعلته سلمى، بدافع الرحمة، عُدّ جريمة.
وراء الخرسانة
قرابة منتصف الليل، سمعنا بكاء أم حسين، امرأة فلسطينية مسنّة أُوقِفَت بتهمة التسوّل. لم يكن لديها فراش. توسلتُ للحراس من أجل بطانيةٍ إضافية.
"تعتقدين حالكِ في فندق خمس نجوم؟" زجرتني إحداهن.
همست امرأةٌ أخرى بأن العاملات الأجنبيات يعانين أكثر. رأت عاملة سريلانكية تُضرب وتُرشّ بالماء البارد.
الصباح وما بعده
في العاشرة والنصف صباحًا، نادوا اسمي. انتهت محنتي. كان محاميي بانتظاري. أوراق الإفراج اكتملت. كان كلّ شيءٍ خطأً كتابيًا، حالة تشابه أسماء.
لكنني خرجتُ مثقلةً بأسئلة.
كم من أخريات ما زلن خلف تلك الجدران الخرسانية، بلا صوتٍ ولا اسم، عالقاتٍ في نظام لا يراهن؟
احتجاز النساء في الأردن: أزمة هيكلية
هذه الحكاية ليست مجرّد تأملٍ شخصي، بل دعوة لإصلاحٍ جذري. نظام التوقيف للنساء في الأردن معتم، عقابي، وظالم بعمق. تُسجَن النساء لا لجرائم ارتكبنها، بل لأنهن فقيرات، أو قاومن العنف، أو أحببن دون إذن، أو حاولن حماية أطفالهن.
يُفترض أن يكون الحبس الاحتياطي إجراءً مؤقتًا، لكنه غالبًا ما يصبح حكمًا بحد ذاته، مكانًا للتعليق إلى أجلٍ غير مسمى.
هذه ليست قصصًا معزولة. إنها شهادات على عنفٍ هيكلي. وتستدعي تغييرًا عاجلًا لا مساومة فيه.
تواصلوا معنا
لديكم أسئلة؟ أفكار؟ رغبة في التعاون؟ نحن هنا ونحب أن نسمع منكم، فلا تترددوا في مدّ جسور التواصل!